رجح بنك قطر الوطني /QNB/ أن يتجه الدولار الأمريكي نحو مستويات أكثر اعتدالا خلال الفترة المقبلة، مدفوعًا بعدة عوامل تشمل ضبط الأوضاع المالية، والتيسير النقدي الإضافي، إضافة إلى السياسات التي ستتبعها الإدارة الأمريكية الجديدة لمعالجة الاختلالات الاقتصادية.
وأكد البنك في تقريره الأسبوعي أن المجال يبدو محدودًا أمام حدوث مزيد من الارتفاع في قيمة الدولار الأمريكي بما يتجاوز مستوياته الحالية.
وأوضح التقرير أن التقلبات في أسعار العملات تعكس توجهات الاقتصاد الكلي العالمي بشكل كبير، وهو ما يظهر جليًا في الأسواق العميقة والسائلة للعملات الأجنبية الرئيسية مثل الدولار الأمريكي، والين الياباني، واليورو، والفرنك السويسري، والجنيه الإسترليني.
وتعتمد أسعار الصرف إلى حد كبير على تدفقات رؤوس الأموال، والتي تتأثر بعدة عوامل، منها ردود الفعل الفورية، والتوقعات المتعلقة بالرغبة في المخاطرة، والأداء الاقتصادي النسبي، فضلًا عن فروق أسعار الفائدة بين الدول.
وأشار التقرير إلى أن الأسواق شهدت تقلبات حادة في الأشهر الأخيرة، حيث ارتفع مؤشر الدولار الأمريكي (DXY) بنسبة 6% تقريبًا منذ سبتمبر 2024، مدفوعًا بفوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر من العام ذاته.
واعتبر البنك أن هذا الارتفاع يعكس حالة من التقلبات غير العادية، التي تزامنت مع تحركات كبيرة في العوائد الدورية للأسهم الأمريكية. كما تجاوز مؤشر الدولار الأمريكي المستويات الحرجة التي شوهدت في سبتمبر 2023، بالتزامن مع ذروة التشديد النقدي الذي نفذه بنك الاحتياطي الفيدرالي.
وبحسب التقرير، فإن بعض المحللين يرون أن الدولار الأمريكي قد يظل مدعومًا بعدة عوامل، منها زيادة التعريفات الجمركية الأمريكية على الشركاء التجاريين الرئيسيين، فضلًا عن قوة أداء الاقتصاد الأمريكي، والاحتمالات المتعلقة بحذر بنك الاحتياطي الفيدرالي في التعامل مع السياسة النقدية نتيجة استمرار التضخم.
ومع ذلك، اعتبر التقرير أن تقييمات الدولار تبدو مبالغًا فيها، مشيرًا إلى أن بيانات سعر الصرف الفعلي الحقيقي لشهر ديسمبر 2024 أظهرت أن الدولار الأمريكي يعد العملة الأكثر مبالغة في التقييم بين العملات الرئيسية، حيث يزيد تقييمه بنسبة 21.8% عن قيمته العادلة النظرية.
وفي هذا السياق، رأى البنك أن هناك سيناريو محتملًا يتجاوز فكرة “الدولار القوي” على المدى البعيد، وذلك بناءً على عاملين رئيسيين. يتمثل العامل الأول في التحولات المالية التي قد تؤدي إلى تقليص الفجوات في النمو وأسعار الفائدة بين الاقتصادات المتقدمة والولايات المتحدة.
وأوضح التقرير أن السياسات المالية التوسعية التي تبنتها واشنطن خلال السنوات الماضية ساهمت في تعزيز الأداء الاقتصادي الأمريكي، ولكنها أدت في الوقت ذاته إلى زيادة العجز إلى نحو 7% من الناتج المحلي الإجمالي.
أما في الوقت الحالي، فإن الإدارة الأمريكية الجديدة تستعد لتطبيق إجراءات ضبط مالي تهدف إلى تقليص العجز إلى 3%، في حين تميل الاقتصادات الأخرى إلى تبني سياسات أكثر توسعية، مما قد يؤدي إلى تراجع الفارق في النمو لصالح العملات الأخرى.
أما العامل الثاني، فيتعلق بمسار أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، حيث توقع التقرير أن يقوم بنك الاحتياطي الفيدرالي بتنفيذ تخفيضين إضافيين على الأقل في عام 2025، على الرغم من حالة عدم اليقين بشأن مستقبل التيسير النقدي.
وأشار البنك إلى أن التباطؤ في التضخم غير الدوري، إضافة إلى تراجع النشاط الاقتصادي وسوق العمل المرن، قد يؤدي إلى مزيد من تخفيضات الفائدة، مما سيؤثر بدوره على الفارق بين أسعار الفائدة الأمريكية ونظيراتها العالمية، ويسهم في تسهيل الأوضاع المالية العالمية.
وخلص التقرير إلى أن هذه العوامل قد تؤدي إلى تدفق رؤوس الأموال نحو الأصول غير المقومة بالدولار الأمريكي، مما يسهم في دفع الدولار نحو مستويات أكثر اعتدالًا، ويحد من التقلبات الحادة التي شهدتها الأسواق خلال الأشهر الماضية.
