بعد سنوات من الدمار والخراب، يواجه الحكم الجديد في سوريا إرثًا ثقيلًا خلفه نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد. شمل هذا الإرث تدمير البنية التحتية وإضعاف الاقتصاد، ما أدى إلى خسائر تقدر بأرقام هائلة تتراوح بين 400 مليار وتريليون دولار، حسب تقديرات مختلفة.
دُمرت القطاعات الإنتاجية والخدمية بشكل واسع، مما يُنذر بتحديات كبيرة في إعادة بناء سوريا وتحقيق تطلعات الشعب بتحسين الظروف المعيشية وبناء مستقبل مستقر.
شهد الاقتصاد السوري تراجعًا حادًا خلال فترة الحرب، حيث انهارت قطاعات حيوية مثل الزراعة والصناعة والنفط. تراجع الإنتاج الزراعي بنحو 60%، مما أثر على الأمن الغذائي للسكان، وتحولت سوريا من بلد منتج للقمح إلى مستورد له.
في القطاع الصناعي، خسرت حلب، العاصمة الاقتصادية، منشآتها الصناعية، ما أدى إلى تقليص الصادرات وزيادة الاعتماد على الواردات.
أما قطاع النفط، فقد شهد تراجعًا كارثيًا، إذ انخفض إنتاجه بشكل كبير، مما حرم الدولة من مورد حيوي كان يساهم في استقرار الاقتصاد.
إلى جانب ذلك، تدهورت البنية التحتية، بما في ذلك شبكات الكهرباء والمياه والطرق والمؤسسات الخدمية والتعليمية. وقدّر البنك الدولي تكلفة إعادة الإعمار الأولية بـ 120 مليار دولار، بينما توقع اقتصاديون أن الكلفة الإجمالية قد تصل إلى أرقام أعلى بكثير.
هذا العبء المالي سيجبر الحكومة الجديدة على البحث عن تمويل خارجي من خلال القروض والمساعدات الدولية، مما قد يفتح المجال لضغوط سياسية واقتصادية من قبل المانحين.
الخسائر لم تقتصر على الجوانب المادية فقط، بل طالت المورد البشري أيضًا. فهجرة الكفاءات والعمالة الماهرة خارج البلاد خلقت فجوة كبيرة في سوق العمل، ما سيحتاج إلى سنوات طويلة لتعويضه.
هذه الهجرة تضاف إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي من نحو 61 مليار دولار عام 2010 إلى 6.2 مليارات فقط في العام الماضي، ما يعكس الأثر العميق للحرب على جميع جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
التحدي الآخر الذي يواجه الحكومة الجديدة يتمثل في معالجة ملف الديون، سواء الداخلية أو الخارجية.
لا توجد أرقام دقيقة عن إجمالي الديون الخارجية، لكن إيران تعد من أبرز المطالبين، إذ تفيد تقارير بأنها تطالب بنحو 30 إلى 50 مليار دولار.
كما أن هناك ديونًا داخلية تم جمعها عبر سندات الخزينة خلال السنوات الأخيرة، مما يثقل كاهل الحكومة بمزيد من الالتزامات المالية.
على الرغم من هذه التحديات الهائلة، يرى خبراء اقتصاديون فرصًا في إعادة الإعمار إذا تم استغلالها بذكاء. استخدام عقود “بناء، تشغيل، إعادة” قد يقلل من عبء الديون ويجذب استثمارات أجنبية تحتاجها سوريا بشدة. ومع ذلك، يظل نجاح إعادة الإعمار مرهونًا بتحقيق الاستقرار السياسي والأمني، وعودة الثقة بين المستثمرين والدولة.
الإرث الثقيل الذي تركه الأسد ليس مجرد أرقام أو مبانٍ مدمرة، بل هو تحدٍ شامل يمس جميع جوانب الحياة في سوريا. إعادة البناء لن تكون مهمة سهلة، ولكنها تمثل أيضًا فرصة لإعادة تشكيل سوريا كدولة حديثة تعتمد على أسس العدالة والاستقرار والتنمية المستدامة.